الطوباوية والاطوباوية (الاوتوبيا واللاأوتوبيا )

الطوباوية والاطوباوية (الاوتوبيا واللاأوتوبيا )

الطوباوية (الأوتوبيا) – صورة (مثال) لمجتمع خيالي منشود. وبما أن هذا المثال كان غالباً متعذراً على التحقيق عملياً، صار مفهوم الطوباوية يكتسب بمرور الزمن طابع استعارة، وغدا مرادفا لأي مشروع اجتماعي، علمي، تكنيكي- يعتبر غير قابل للتنفيذ. ان الطوباوية، كشكل لتجلي قدرة الوعي على الخيال الخصب، كانت تقوم، منذ ظهورها في المجتمع اليوناني القديم، بعدد من الوظائف الاجتماعية الهامة. فقد كانت تعبر عن مصالح القوى الاجتماعية المحرومة من السلطة السياسية، فجاءت لونا من النقد ، المباشر أو غير المباشر، للمجتمع القائم، وضربا من نفيه وادانته. وفي اطار الطوباوية رسم المثال الاجتماعي هدفا لنشاط قوى (طبقات) اجتماعية معينة. كما وكانت الطوباوية شكلا خاصا لمعرفة العالم وللتنبؤ الاجتماعي. واخيراً، لم يكن من النادر ان تمارس الطوباوية تأثيراً فعالاً معاكساً على الممارسة الاجتماعية السياسية، لتعطي زخماً لتجارب اجتماعية ، كمختلف كومونات القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة. وتبعا لوجهة النقد الاجتماعي وللطبيعة الطبقية للمثل المعلنة، يمكن تقسيم الطوباوية إلى رجعية (تسعى لاحياء اشكال اجتماعية ولت تاريخيا) ومحافظة (تهدف للابقاء على أشكال اجتماعية استنفذت طاقاتها وتسير في طريقها إلى الزوال) وتقدمية (تتطلع إلى أشكال جديدة، وتهدف إلى تطوير المجتمع). وقد أدت أزمة الرأسمالية، وما ولدته من أزمة ثقافية، إلى ظهور ما يدعى باللاطوباوية، وهي شكل خاص من نفي امكانية بناء مجتمع، يحقق مثل المساواة الاجتماعية والتقدم العلمي التكنيكي، ويكون، في الوقت ذاته، تجسيداً للحرية ويجلب السعادة للناس. وعادة ما ترتدي اللاطوباويات صيغة "رواية-انذار" (هاكسلي وغيره)، ويتسم الكثير منها بالنزعة التشاؤمية. وثمة فلاسفة "يساريون راديكاليون" (ماركوز...) يخلصون من جدالهم مع فكرة الاطوباوية إلى القول بحلول "نهاية الطوباوية"، أي بامكانية التحقيق الفوري، في البلدان الرأسمالية، للمشاريع الطوباوية الداعية لبناء مجتمع غير قمعي، حر وسعيد، فينفون بذلك الحتمية ( determinisim ) التاريخية وضرورة الحركة الثورية المنظمة. وفي ظروف الصراع الايديولوجي الراهن تستخدم الطوباوية من قبل قوى اجتماعية وسياسية مختلفة، وتلعب دورا مزدوجا ومتناقضا.