الاستعارة التصريحية والمكنية 1

2) تقسيم الاستعارة إلى أصلية وتبعية



الأمثلة :

(1)قال المتنبي يصف قلماً :

يَمُجُّ ظَلاَماً فِي نهارٍ لِسَانُهُ وَيفهَمُ عَمَّنْ قال ما لَيْسَ يَسْمَع

(2)وقال يخاطب سيف الدولة :

أُحِبك يا شمْسَ الزَّمان وبدْرَهُ وإِنْ لاَمني فيكَ السُّها وَ الفَرَاقِدُ(1)



(2)وقال المعرِّي في الرِّثَاءِ :

فَتىً عَشِقَتْهُ الْبَابلِيَّـةُ حِقْبَةً فَلم يَشْفِهَا مِنْهُ برَشْفٍ وَ لاَ لَثْم(2)

* * *



(4)قال تعالى:

(( وَلَماَّ سَكَتَ عَنْ مُوسَى الغَضَبُ أَخَذَ الأَلوَاحَ وَ فيِ نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَـةٌ لِلَّـذِيـن هُـمْ لِرَبِّهــمْ يَرْهَبُــونَ )) 0

(5)وقال المتنبي في وصف الأسد:

وَرْدٌ إِذَا وَردَ الْبُحَيْرَةَ شارباً وَرَدَ الْفُرَاتَ زَئِيرُهُ والنِّيلاَ(3)



البحث:

في الأبيات الثلاثة الأولى استعارات مكنية وتصريحية ، ففي البيت

الأول شبه القلم (وهو مرجع الضمير في لسانه) بإنسان ثم حذف المشبه به

ورمز إليه بشئ من لوازمه وهو اللسان ، فالاستعارة مكنية، وشبه المداد بالظلام



السها : نجم خفي يمتحن الناس به أبصارهم ، والفراقد جمع فرقد : وهو نجم قريب من القطب ، وفي السماء فرقدان

ليس غير 0 (2) الحقبة : المدة من الزمن ويراد بها المدة الطويلة ، ورشف الماء : مصه ، واللثم : التقبيل 0 (3) الورد : الذي

يضرب لونه إلى الحمرة ، والمراد بالبحيرة بحيرة طبرية ، أي أن زئير الأسد شديد فإذا زأر في طبرية سمع زئيره من في العراق ومصر

بجامع السواد واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية 0 وشبه الورق بالنهار بجامع البياض ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية0

وفي البيت الثاني شبه سيف الدولة مرة بالشمس ، ومرة بالبدر بجامع الرفعة سبيل الاستعارة التصريحية في الكلمتين ، وشبه من دونه مرة بالسها ومرة بالنجوم بجامع الصغر والخفاء ، ثم استعير

اللفظ الدال على المشبه به هو السها والفراقد للمشبه على سبيل الاستعارة التصريحية في الكلمتين0

وفي البيت الثالث شبهت البابلية وهي الخمر بامرأة ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيْ من لوازمه

وهو (( عشقته )) على سبيل الاستعارة المكنية 0 وإذا رجعت إلى كل إجراء أجريناه للاستعارات السابقة ، رأيت أننافي التصريحية استعرنا اللفظ الدال على المشبه به للمشبه وأننا لم نعمل عملاً آخر، ورمزنا بشيء من لوازمه، وأن الاستعارة تمت أيضا بهذا العمل ؛ وإذا تأملت ألفاظ الاستعارات السابقة رأيتها جامدة غير مشتقة 0 ويسمى هذا النوع من الاستعارة بالاستعارة الأصلية0

انظر إذاً إلى الآخرين تجد بكل منهما استعارة تصريحية ، وفي إجرائها نقول : شبه انتهاء الغضب بالسكوت بجامع الهدوء في كلٍّ ، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو السكوت للمشبه وهو انتهاء الغضب سكت بمعنى انتهى 0 وشبه وصول صوت الأسد إلى الفرات بوصول الماء بجامع أن كلاً ينتهي إلى غاية ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به وهو الورود للمشبه وهو وصول الصوت ثم اشتق من الورود بمعنى وصول الصوت ورد بمعنى وصل 0 فإذا أنت وازنت بين إجراء هاتين الاستعارتين وإجراء الاستعارات الأولى رأيت أن الإجراء هنا لا ينتهي عند استعارة المشبه به للمشبه كما انتهى في الاستعارات الأولى ، بل يزيد عملاً آخر وهو اشتقاق كلمة من المشبه به وأن ألفاظ الاستعارة هنا مشتقة لا جامدة ، ويسمى هذا النوع من الاستعارة بالاستعارة التبعية ، لأن جريانها في المشتق كان كن تابعا لجريانها في المصدر 0 ارجع بنا ثانياً إلى المثالين الأخيرين لنتعلم منهما شيئاً جديداً ، ففي الأول وهو (( ولما سكت عن موسى الغضب )) يجوز أن يشبه الغضب بإنسان ثم يحذف المشبه به ويرمز له بشيء من لوازمه وهو سكت فتكون في (( الغضب )) استعارة مكنية 0وفي الثاني وهو (( ورد الفرات زئيره )) يجوز أن يشبه الزئير بحيوان ثم يحذف ويرمز إليه بشيء من لوازمه وهو ورد فيكون في (( زئيره )) استعارة مكنية ، وهكذا كل استعارة تبعية يصح أن يكون في قرينتها استعارة مكنية غير أنه لا يجوز لك إجراء الاستعارة إلا في واحدة منهما لا في كلتيهما معاً 0

القواعد :

( 14 ) تكون الاستعارة أصلية إذا كان اللفظ الذي جرت فيه اسماً جامداً 0

( 15 ) تكون الاستعارة تبعية إذا كان اللفظ الذي جرت فيه مشتقاً أو فعلاً(1)0

( 16 ) كل تبعية قرينتها مكنية ، وإذا أُجريت الاستعارة في واحدة منهما امتنع إجراؤها في الأخرى0



تقسيم الاستعارة إلى أصلية وتبعية عام في الاستعارة سواء أكانت تصريحية أم مكنية، ومثال الاستعارة المكنية التبعية أعجبني إراقة الضارب

دم الباغي ، فقد شبه الضرب الشديد بالقتل بجامع الإذاء في كل ، واستعير القتل للضرب الشديد ، واشتق منه قاتل بمعنى ضارب ضرباً شديداً

ثم حذف ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الإراقة على طريق الاستعارة المكنية التبعية 0

النموذج

قال الشاعر :

(1 شبه الشعر بحديقة بجامع الجمال في كل ، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه فالاستعارة) عضَّنـا الدَّهر بِنـابِه لَيْت ما حلَّ بِنــا بِهْ

(2 ) وقال المتنبي :

حَمَلْتُ إِلَيْهِ مِنْ لِسَانِي حَدِيقَةً سقاها الحِجا سَقْى الرِّياضِ السَّحائِب(1)

(3) وقال آخر يخاطب طائراً :

أَنْت في خضْراءَ ضاحِكةٍ مِنْ بكاءِ العارض الهتِن(2 )

الإجابة

شبه الدهر بحيوان مفترس بجامع الإيذاء في كل، ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو (( عض )) فالاستعارة مكنية أصلية 0

تصريحية أصلية التأثير الحسن في كل وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو ((سقى)) فالاستعارة مكنية أصلية 0

شبه الإزهار بالضحك بجامع ظهور البياض في كل ، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ، ثم اشتق من الضحك بمعنى الإزهار ضاحكة بمعنى مزهرة ؛ فالاستعارة تصريحية تبعية 0 ويجوز أن نضرب صفحاً عن هذه الاستعارة ، وأن نجريها في قرينتها فنقول : شبهت الأرض الخضراء بالآدمي، ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو ضاحكة فتكون الاستعارة مكنية 0



الرياض مفعول به للمصدر وهو سقى ، سقى مضاف والرياض مضاف إليه ، وأصل الكلام سقى السائب الرياض 0

في خضراء : أي في روضة خضراء ، والعارض ألهتن : السحاب الكثير الأمطار 0

وشبه نزول المطر بالبكاء بجامع سقوط الماء في كل، ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه ، فالاستعارة تصريحية أصلية ، ويجوز أن تجري الاستعارة مكنية في العرض0

تمرينات:

(1)

بين الاستعارة الأصلية والتبعية فيما يأتي :

قال السري الرفاء يصف شعره :

إذا ما صافَح الأَسْماعَ يوْماً تَبسَّمتِ الضَّمائِرُ والقُلُـوبُ

وقال ابن الرومي :

بلدٌّ صحِبْتُ بهِ الشَّبِيبَة والصِّبَا ولَبِسْتُ ثوْبَ الَّلهْو وه وجديد

وقال :

حيَّتك عنَّا شمالٌ طَافَ طائفتا بِجنَّةٍ نَفحتْ روحاً وريْحانَا(1)

هبَّتْ تحيرا فناجى الْغُصْن صاحِبَه سِراًّ بهَا وتداعى الطيرُ إِعلاَنا(2)

وقال البحتري في وصف جيش:

وإِذا السِّلاحُ أَضاءَ فِيهِ رأَى العِدَا بَرَّا تأَلَّق فِيهِ بحْرُ حديدِ (3)

وقال ابن نُباتةَ السعدي(4) في وصف مهر أغر(5) :

وأَدْهمَ يَسْتَمِدُّ الليْلُ مِنْه وتطْلُع بَيْنَ عَيْنَيْهِ الثُّريا

وقال التّهاميّ في رثاء ابنه :

يا كَوْكباً ما كانَ أقْصرَ عُمْرَهُ وكَذاكَ عُمْرُ كَواكِبِ الأَسْحار



(1)الشمال : الريح التي تهب من ناحية القطب ، ونفحت روحاً وريحاناً : أولت راحة وطيباً0 (2) الضمير في

هبت يعود على الشمال0 سحيراً : قبيل الصبح ، وناجى :حدث سراً ، وتداعى : دعاً بعضه بعضاً 0

تألق البراق : لمع 0 (4) هو أبو نصر عبد العزيز ، كان شاعراً مجيداً جمع بين حسن السبك وجودة المعنى ،

معظم شعره جيد ، وله ديوان كبير ، توفي سنة 405 ه 0 (5) الغرة : بياض في جبهة الفرس 0



وقال الشريف في الشيب :

ضوْءٌ تَشَعْشَع في سوادِ ذَوَائبى لا أَسْتضِئُ بهِ ولا أَسْتَصْبحُ(‍1)

بعْتُ الشبابَ بهِ على مِقةٍ لَه بَيْعَ العلِيمِ بِأَنْه لا يرْبحُ (2)

وقال البحتري في وصف قصر :

مَلأَتْ جَوانِبُهُ الفضَاءَ وعَانَقَتْ شُرُفاتُهُ قِطَعَ السَّحابِ المُمْطرِ

وقال في وصف روضة :

يُضاحكها الضحى طَوْراً وطَوْراً علَيْها الغيْثُ ينْسجٍمُ انسِجاما(3)

وقال في الشيب :

ولمَّةٍ كُنْتُ مشْغُوفاً بِجِدَّتِها فَما عفا الشَّيْبُ لِي عَنْها ولا صَفَحَا

وقال ابن التَّعاويذى في وصف روضة :

وأَعطَافُ الغصُونِ لَها نشَاطٌ وأَنْفَاسُ النسِيم بها فُتُورُ(4)

وقال مِهيار (5) :

(2)

اجعل الاستعارات التبعية الآتية أصلية :

(1) إن أَمْطرتْ عيْنَاي سَحًّا فعنْ بَوَارِقِ في مَفْرِقي تَلْمعُ (6)

(2) إِنَّ التَّبــاعُد لا يَضُـ رُّ إَِذَا تقاربـت القُلُوب



(1) تشعشع الضوء : انتشر ، واستصبح : استضاء بالمصباح 0 (2) المقة :الحب 0

(3) ينسجم : يسيل 0 (4) الأعطاف : جمع عطف وهو الجانب ، الفتور : الضعف 0

هو أبو الحسن مهيار بن مرزوية الكاتب الفارسي الديلمي ، كن مجوسياً وأسلم على يد

الشريف الرضى وتخرج في الشعر عليه ، ويمتاز في شعره بجزالة القول ورقة الحاشية وطول النفس

وتوفي سنة 428 ه 0 (6) سحَّا: صبًّا ، والبوارق : جمع بارق وهو البرق ، والمفرق : وسط الرأس

وهو الموضع الذي يفرق فيه الشعر 0





(3) وقال ابن المعتز يصف سحابة :

باكِيةٌ يَضْحَكُ فيهَا بَرْقُهَا مَوْصُولَةٌ بِالأرْض مُرْخَاةٌ الضُّنب

(3)

اجعل الاستعارات الأصلية تبعية فيما يأتي :

شر الناس من يرضى بهدم دينه لبناء دنياه 0

شراء النفوس بالإحسان خير من بيعها بالعدوان 0

إن خوض المرء فيما لا يعنيه وفراره من الحق من أسباب عثاره 0

خير حيلة للشباب كبح النفس عند جموحها 0

(4)

هات ثلاث استعارات منها ثلاث أصلية وثلاث تبعية 0

(5)

اشرح قول السري الرفاء في وصف دولاب(2) وبين ما فيه من استعارات :

فمِنْ جنَان تربك الَّوْرَد مُبْتَسماً في غيْر إِباّنِهِ والماءَ مُنْسَكِباً(3)

كأَنَّ دُولابها إذ أَن مُغْتَرِبٌ نَأَى فحنَّ إلى أَوْطانِهِ طَربا(4)

باكٍ إِذا عقَّ زَهْرَ الروْض والدُهُ مِنَ الغَمام غَدا فيه أَباً حَدِبا(5)

مُشَمِّرٌ في مسِيرٍ لَيْس يُبْعِدُهُ عن المَحلِّ ولا يُبْدي لَه تَعبا(6)

ما زَالَ يَطْلُبُ رِفْدَ البحْرِ مَجْتَهِداً لِلْبَرّ حتَّى ارْتَدَى النُّوَّارَ وَالُعُشُبَا(7)



الطنب : الحبل تشد به الخيمة ، يقول : إن السحابة لثقلها بالماء تقرب أطرافها من الأرض 0

الدولاب: آلة كالناعورة يستقى بها الماء وهي المعروفة (( بالساقية)) 0(3) إبان الشيء بالكسر والتشديد: وقته ،

أنين الدولاب : صوته عند دورانه ، وحنين المغترب : شوقه وبكاؤه عند ذكر الوطن ، والطرب : تصيب الإنسان

لشدة حزن أو سرور 0 (5) عقه : ضد بر ه ، والأب الحدب : الأب الذي يتعلق بابنه ويعطف عليه ، ويقول إذا جفا الغمام

زهر الروض فلم يمطره قام الدولاب مقامه فكان الزهر بمنزلة الأب الحاني على ولده فتعهده وسقاه0 (6) يقول : إن الدولاب

مجد في سيره ومن العجيب أنه لا يبتعد 0 عن مكانه ولا تبدو عليه علامات التعب 0 (7) الرفد العطاء ، يقول : إن الدولاب

ما برح يستجدي البحر للبر فيأخذ من مائه ويسقيه حتى ارتوى البر ونما زرعه واكتسى أثواباً من الأزهار والنبات 0