السيرة الزرقاء

السيرة الزرقاء
مقدمة

بدأت الحياةُ من البحر
والبحر أزرق
وينتهي الكون في السماء
والسماء زرقاء
للنار قلبٌ أزرق
وللنور هالة زرقاء
للحبيبة عينان زرقاوان
وللعاشق حلم أزرق
عروق الجسد زرقاء
وحبر الكتابة أزرق.
-1-
في ليلِ الماءْ
هَمَسَتْ أطيافُ الأزرقِ
كيفَ غَفَوْتَ
وقلبُكَ منذورٌ للرعشةِ
في وَضَحِ الأشياءْ
كيفَ خَلَعْتَ سماءَكَ
ثم لبست الرملَ
لتسجدَ
في كهفِ الأصداءْ
مَنْ غَرَّرَ بالجمرِ المتوهّجِ
في أعماقِكَ
حتى غادَرَ مَكمَنَهُ
فَتَجَمَّدَ
في جيبِ الأنواءْ
ولماذا
مَزَّقتَ غلالةَ روحِكَ
حتى فَرَّتْ منكَ
عصافيرُ الإشراقِ
وغابتْ في حمّى نزواتِكَ
أسرابُ الأنغامِ
وهامَ جوادُكَ
في بيدِ الأهواءْ
-2-
والأزرقُ كانَ رفيقَ البَدْءِ
يُرَتِّبُ أوراقي
ويُهَيِّءُ طقسي
يَسْكُبُ في قلبي إكسيرَ الكشفِ
يُسَلِّحني بالعشقِ
ويُتْحِفُني بالغبطةِ
يوقدُ مشكاتي
في قيعانِ الظلماتْ
والأزرقُ منذ البَدْءِ
يصالحُني مع أسئلتي
ويُنَصِّبني
مَلِكَ الكلماتْ
-هامش-
عَلَّقْتُ الأزرقَ في عنقي

نامتْ في حضني الأنسام

حوصِرْتُ، فأيقظني قلقي

وانهالتْ فوقي الأيّام

-3-
في فجرٍ أغبرَ
ألقت ريحٌ
في بئرٍ
ببقايا شالٍ أزرقَ
كان يُلَوِّنُ برجي السابحَ
في العَبَقِ العْلويِّ
اهتَزَّ سكونٌ
واندَفَعَتْ أفواجٌ من غَبَشٍ
لتَدُكَّ حواسي
فاخْتَلَطَتْ خَلَجاتُ الموتِ
بطعمِ غبارِ الطلعِ
بلون النهدِ
بصوتِ دبيب الذعرِ
برائحةِ الأمطارْ
فَخَرَجْتُ أهيمُ على وجهي
أَتَسَلَّلُ من مدنٍ
تنهارُ أمام السيلِ
إلى جزرٍ
تَتَهَشَّمُ تحت سياطِ البحرِ
إلى صحراءَ
يُفَتِّتُها الإعصارْ
لَحِقَتْ بي أشباحٌ
تغريني
كي أَتَخَبَّأَ تحت عباءتها
فَنَفَرْتُ
وسرتُ على طرقٍ تتلوّى
بين حطام النبضِ
وبين ظلالِ الوعدِ
هَوَتْ فوقي شُهُبٌ
جَرَحَتْ حلمي
وتجلّى لي شَفَقٌ
يَتَقَلَّدُ سيفَ دمي
فَضَمَمْتُ الليلَ إلى صدري
وهَرَعْتُ إلى أفقٍ
يَتَخَمَّرُ في أعماقِ الصخرِ
ويسري
في نسغِ الأزهارْ
-4-
عندَ الطرفِ الأقصى
من سردابِ الرؤيا
لاحَ النجمُ
اْنتصبتْ أقواسٌ
وانشَقَّتْ حُجُبٌ
فَدَعَوْتُ براقَ الحبّ
عَبَرْتُ الخوفَ
هَدَمْتُ اليأسَ
وقَوَّضْتُ الأسوارْ
ومَخَرْتُ عُبَابَ الجرحِ
فَشَعَّ القلبُ
وسالَ الضوءُ
وفاحَ أريجُ الشوقِ
فراحتْ
تعرضُ فتنتها الأشجارْ
-5-
هل كانَ الدربُ طويلاً؟
كنتُ أراهُ
أقصرَ من مرمى أوراقِ الوردْ.
هل كان النجمُ بعيداً؟
كنتُ أراهُ
أقربَ من شفتينِ
إلى صحنِ الخدّْ.
ولماذا طالَ مسيرُكَ؟
لا أدري... لكني
لم أتجاوزْ نفسي بَعْدْ.

- هامش-
نَبَتَتْ في حقلي الأحجارُ

واْلتَفَّ يُطَوِّقُني الشوكُ

شبَّتْ في أضلاعي النارُ

واْستَوْطَنَ في خَلَدي الشكُّ

-6-
عَرَّافُ الدهرِ تَذَمَّرَ
أرخى لحيتهُ
واستسلمَ للهذيانْ
سَنَّ السكينَ
وشَقَّ غلافَ الظاهرِ
فاندَلَقَتْ أحشاءُ الباطنِ
وارتعَدَتْ أوصالُ الأرضِ
انهارتْ راياتٌ
وتَدَفَّقَ من جوفِ التاريخِ
دَمٌ
وعَلَتْ صرخاتُ الأشلاءِ المطمورةِ
تحت ترابِ النسيانْ
-7-
بينَ الأنقاضِ تراءى لي
نهرٌ
ينسابُ على مهلِ
تتصاعدُ منهُ
رائحةُ العرقِ البشريِّ
ويسطعُ باللهبِ المسكوبِ عليهِ
من قمرٍ
يَتَمَرَّغُ في الآهاتِ
على صدرِ الأعشابْ
يضنيهِ التَوْقُ إلى الرقصِ الأبديِّ
فيرعشُ
مثل الدمعِ العالقِ بالأهدابْ
وتُكَلِّلُهُ سحبٌ حبلى
بالفيضِ الأوّلِ
تحملُها
راحاتٌ من أملٍ
ومكابدةٍ
وقلوب تطفحُ بالذكرى
ونفوس يسكرها بوحٌ
فتلامسُ وجهَ الشمسِ
بغير حجابْ
هل كان النهرُ حقيقيّاً
أم كان المشهدُ وَحْيَ سرابْ؟
يا أزرقُ
لا توصدْ
في وجهي البابْ.
-8-
يا أزرقُ روحي لم تتعبْ
لكني أتعبتُ الجسدا
جَرَّبْتُ
سَلَكْتُ شعابَ الريحِ
هَزَزْتُ نخيلَ الوقتِ
شربتُ رمادَ التيهِ
ولكني
لم أطفئْ يوماً قنديلي
وبقيتُ أعانقُ آلامي
وأعيدُ حراثةَ أحلامي
كي أكتبها
بمدادِ البرقِ
على حبّات القمحِ
وأذروها
في كل مدى
-هامش-
أعلنتُ بدايةَ تقويمي

وصَبَغْتُ بألواني أفقي

أرْسَيْتُ مراكبَ تهويمي

وفَتَحْتُ مغاراتِ الألقِ

-9-
يا أزرق حَوِّمْ فوقي
طيفَ نهارْ
يا أزرقُ أشعلْ أوردتي
واحقنْ بوميضِكَ أنسجتي
وارفعْ عن عينيَّ الأستارْ
-10-
يا أزرقُ
مدَّ بساطَ البحرِ
ودَرِّبني
كي أمشيَ فوقَ الماءْ
يا أزرقُ
قَرِّبْ سقفَ الكونِ
وأطلقْ عنقائي
كي تلتقطَ النورَ المتناثرَ
في الأجواءْ
يا أزرقُ
مَرِّرني في النارِ
وأرشدْني للنبعِ
وعَلِّمني الأسماءْ



الف شكر مني اليك أيها الهابط فوق محيطي
شكرا لإضافتك هذا الشاعر و اتمنى منك أن تكون هذه بداية لمشروع انشاء جزيرة للثقافة و الادب
يهتدي اليها كل شخص تاه في سماء بحار الحياة

» الحيتان الزرقاء
» الشعلة الزرقاء.. ...
» على هامش السيرة (1)
» على هامش السيرة (2)
» ينابيع الشمس السيرة الشعرية