يبحثون عن سلامة اللغة!

كلما سمعت دعوة للعناية باللغة ازددت خوفاً على اللغة، فمجرد الدعوة يعني وجود مشكلة، ومع كل دعوة من هذه الدعوات تبدأ الجهات المعنية خطواتها صوب العناية، وأخاف أن أقول: ليتها لا تفعل، إذ لا يكفي أن يكون صاحب الدعوة حصيفاً وبليغاً وباحثاً عن الصور والتعابير - بغض النظر عن أهميتها وجدواها – ولا بد لمن يقوم بتحمّل مسألة ما أن يكون متضلعاً بها، ولا أقول ضليعاً فقد أجمع اللغويون على تخطئة اللفظ السائر بين الناس، فمن يحمل هم اللغة ويدعو إلى العناية بها يفترض أن يكون قادراً على الصياغة اللغوية السليمة، ونقبل منه أدنى حدود السلامة اللغوية، أي يرفع المرفوع وينصب المنصوب ويجر المجرور، وكلما ازدادت دعوته عمقاً ازدادت حاجته إلى التعمق في التخصص.. هالني ذلك الكمّ من التجاوزات اللغوية في المراسلات الرسمية التي تصل إلى جريدة «الوطن»، والذي يعنيني في هذه الوقفة المراسلات من الجهات الإعلامية والثقافية، وكلنا يعلم أن هذه المراسلات قد لا تتجاوز الأسطر، وفي أحسن الأحوال تكون في صفحة واحدة، ومراسلات بهذا الحجم، ومن جهات ثقافية من المفترض أن تكون سليمة بحدها الأدنى، والذي دفعني إلى هذا الكلام كتاب وصل من وزارة الثقافة عن جوائز سامي الدروبي للترجمة، والكتاب امتد على صفحة كاملة، ولا يوجد في الكتاب – على طوله – سوى نقطة في نهاية الكتاب ونقطتين دلتا على التفصيل وفاصلة.. وهذا كل ما في علامات الترقيم في لغتنا العربية! كيف يوجه مثل هذا الكتاب الذي يحمل توقيعاً بخط اليد، مما يدل على أن هناك من قرأ وراجع؟!
الكتاب يحمل معلومات عديدة وجميعها تحمل أهمية، ولكنها ضاعت في عدم التنسيق، وسورية منذ سنوات كانت تخضع إدارييها لدورات في التميز في إعداد المراسلات والتقارير الإدارية، فلماذا لا يخضع القائمون على المراسلات في جميع الجهات الحكومية إلى هذه الدورات التي تساعد في إعداد تقرير لائق بالجهة أولاً؟!
هذا عن الشكل، أما عن السلامة اللغوية فالأمر في غاية الفداحة، ولا بد من الإشارة إليه، فالكتاب يتحدث عن جوائز الترجمة، والتي تمنح أولاً للمتميز في النص اللغوي بالعربية، وهذا ضمن شروط اللجان المقوّمة للنصوص المقدمة، وفي الوقت نفسه يذكر الكتاب أن الجائزة الثالثة منحت لدراسة في علم الصحة بعنوان «فلتبقى شاباً على الدوام» هكذا جاء العنوان في الكتاب المرسل من وزارة الثقافة والممهور بتوقيع مسؤول! هل يعقل أن تبقى ألف المضارع بعد الأمر؟! أين من راجع الكتاب؟ أخشى ما أخشاه أن يكون الكتاب المترجم مطبوعاً مع احتفاظنا بالألف!!
ليس المقصود بهذا الكلام الإساءة إلى أحد، ولكنني أقوله من باب الغيرة، فالكتاب ذهب بالفاكس إلى جهات كثيرة، ولك أن تتخيل صورة مراسلات الوزارة لدى مستقبلي الفاكس.. الوزارة تدعو للسلامة ويتولاها أديب عارف بأسرار اللغة، من المفترض أن تخاطب الآخرين باللغة التي تليق بها وباللغة التي نفاخر بها.

جريدة الوطن 26/7/2009